الصحة النفسية

المساء – مختصون يطالبون بإرجاع هيبة المنظومة التربوية

يعتبر العنف المدرسي ممارسات نفسية أو بدنية يقوم بها الطفل، لإلحاق الضرر بالأستاذ أو الزميل، وهو سلوك يتسم بالعدوانية والكراهية، منها اللفظي، والجسدي أو الجنسي، انتشر بشكل ملحوظ، وارتفعت حالاته في السنوات الأخيرة، وأصبحت بذلك ظاهرة العنف المدرسي من أكثر القضايا الاجتماعية جدلا في السنوات الأخيرة ببلادنا، ولاحتواء الظاهرة، دعا بعض المختصين في المجال التربوي، الحكومة، إلى مراجعة بعض القوانين بالمدرسة، وتصحيح المنظومة التربوية، والعودة إلى إرجاع هيبة المعلم والأستاذ.

أكد عادل بوبرطخ، مدير مدرسة بالميلية ولاية جيجل، في تصريح لـالمساء، أن العنف المدرسي يعبر في المطلق عن كل سلوك عنيف في الوسط المدرسي، أو في الطريق إلى المدرسة، وهو في الحقيقة ظاهرة عالمية لا يكاد ينجو منها بلد من البلدان، وهو ناتج عن أسباب عديدة  نفسية، مثل الاكتئاب والتوتر والقلق، كما أن غياب القدوة الحسنة وتعايش الطفل مع مشاهد العنف في الشارع والمنزل وعبر وسائل الاتصال، وأيضا، ميول الطفل الفطري نحو محاكاة ما يتكرر أمامه، وتعنيفه داخل أسرته أو داخل المدرسة من طرف معلميه، يجعله يميل إلى العنف كتعبير رافض لما يعيشه، كل ذلك، يضاف إلى سهولة الوصول إلى الأسلحة واستعمالها في غير وعي منه، أحيانا الأدوية المهلوسة والمخدرات، موضحا أن العنف المدرسي لا يتخذ فقط الاعتداء البدني كشكل محدد، بل يتعداه إلى العنف النفسي والجنسي الممارس على الفتيات لسلوكيات معينة، مضيفا أن ظاهرة العنف المدرسي تؤثر كثيرا على تربية الطفل وصحته البدنية والنفسية، وهو أحد أهم أسباب التسرب المدرسي.

أضاف بوبرطخ، أن أضراره الاجتماعية جسيمة تضع الطفل في دائرة الانعزال، وعدم القدرة على الاندماج والتمتع بعلاقته مع الآخرين، مشيرا إلى أن متابعة سلوك الطفل منذ نعومة أظافره والتعزيز الإيجابي لنفسيته، ودفعه من خلالهما إلى الاعتداد بنفسه والحصول على السلام النفسي، وكذا الابتعاد عن تعنيفه عند كل سلوك بسيط، قد يحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت منتشرة كثيرا في مدارسنا.

من جهته، قال الأستاذ رضا ديداني بمتوسطة بالذرعان في ولاية الطارف، إن ظاهرة العنف المدرسي أخذت أبعادا خطيرة في السنوات الأخيرة، لأسباب كثيرة، منها التربوية الناتجة عن إخفاق قانون الجماعة التربوية الذي تخضع له المؤسسات التربوية، إضافة إلى ضعف المناهج التربوية، التي أعطت القيمة، للانتقال أكثر من وضع آليات جديدة تحكم هذا الانتقال بقيم علمية وتربوية، تجعل التلميذ والأولياء في صورة أكثر وضوحا لوضعية التعلم، كما أن العنف المدرسي ناتج، حسب المتحدث، عن إخفاق الأسرة من ناحية أخرى، متسائلا بقوله: ماذا نريد من التعلم؟ ماذا نقدم للنشء؟ وكيف نجعل التلميذ يسلك سلوكا أخلاقيا سليما؟، مشيرا في نفس السياق، إلى تسجيل ضعف في تكوين الأساتذة والإداريين من ناحية التكوين البيداغوجي، خاصة علم النفس الذي أهمل تماما في المنظومة التربوية على مختلف الأصعدة، مؤكدا أنه أساسي لتكوين أستاذ أو معلم أو إداري في مستوى معالجة الأزمات التي تخص التلميذ، وحتى الإطار التربوي، لهذا لا يمكن، حسبه، معالجة العنف المدرسي بقانون أو إجراء ردعي ظرفي، بل يجب ـ حسبه ـ إعادة النظر في المنظومة التربوية وإخضاعها لتطور العصر، وإدراج العلوم الحديثة، ومعالجة الدروس الخصوصية التي أصبحت مجتمعا قائما يؤثر في المدرسة العمومية، بالتالي، يؤكد المختص: حان الوقت لإبعاد التعليم عن التسييس، والاعتماد على المعرفة الكفيلة بخلق تلميذ وأستاذ مستقل يدرك ما يفعل.

العنف نتاج تراكمات اجتماعية

تأسفت الأستاذة الجامعية في الحقوق، ورئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية والرياضية والشباب، بالمجلس الشعبي البلدي لبريكة ولاية باتنة، زينب خوجة، لما آلت إليه المدرسة الجزائرية والعربية بصفة عامة، وقالت: ظاهرة العنف المدرسي ليس حدثا عابرا، بل نتيجة تراكمات اجتماعية أدت إلى بروز ظواهر في المجتمع بصفة عامة، لاسيما في الوسط المدرسي بصفة خاصة، وأكدت زينب خوجة أن استفحال أي ظاهرة ليس وليد الصدفة، فالعنف المدرسي يحاكي العنف الموجود في المجتمع، والاضطرابات النفسية لدى التلميذ، مثل الاكتئاب والقلق والتوتر وإهانته من طرف المعلمين، تقلل من مستواه، مما يدخله في حالة فقدان الثقة بالنفس، ثم عملية التقويم أصبحت وسيلة انتقام من طرف المعلمين والأساتذة، وليس تشجيعا. وفي هذا الصدد، دعت الأستاذة خوجة، إلى محاربة هذه الظاهرة، ووضع استراتيجية وطنية وميدانية للإطاحة بهذه الظواهر، بمشاركة كل الأطراف من المعلمين والتلاميذ وأوليائهم، وكذا مصالح الأمن والمختصين في علم النفس، لتجاوز بعض العقبات، مع القيام بإصلاحات شاملة للمنظومة التربوية.

من جهته، أشار عثمان شتوح، مشرف التربية بثانوية في بو هارون، ولاية تيبازة، إلى ما آلت إليه المؤسسات التربوية في بلادنا، موضحا بقوله: بدأت المنظومة التربوية تنهار يوما بعد يوم، بسبب سوء التسيير والتأطير، وانعدام المراقبة المستمرة للتلاميذ، وكذا إهانة الأستاذ والمشرف التربوي على حد سواء، والتي تفشت في غياب القوانين الردعية التي تعاقب التلميذ على أفعاله المشينة ضد أستاذه أو مشرفه التربوي.

أوضح المتحدث أن كل هذا أدى إلى تفاقم الأزمات والمشاكل بين هذين الأخيرين، بحيث يقف الكل متفرجا على تلك المهازل والفضائح اليومية في الوسط المدرسي، وتساءل: أين هو دور الوزارة الوصية في ظل منظومة مهترئة تعاني في صمت؟، وفي هذا الصدد، دعا المشرف التربوي عثمان شتوح، إلى فرض قوانين ردعية جديدة تعاقب التلميذ على تصرفاته داخل المؤسسة التربوية، ورفع قيمة امتحانات نهاية السنة، وجعلها امتحانات مصيرية، كما كانت في الماضي، وعدم تكرار الأساليب التربوية المتبعة سابقا، والتي أدت إلى تدهور القطاع التربوي، كذلك التخطيط المسبق وجدولة المناهج التربوية من طرف أساتذة ودكاترة متخصصين في مجال التربية والتعليم، والمراقبة المستمرة للمؤسسات التربوية، مع متابعة التحصيل الدراسي.

التربية تقع على عاتق الوالدين بالدرجة الأولى

أما الإعلامي والمخرج والناقد عبد الباقي صلاي، فقد أكد أن أحداث العنف في الجزائر قليلة جدا، على عكس ما هو موجود في أمريكا وأوروبا، وقال بأن الوالدين هما المسؤولان عن تربية الطفل، وعلى تعليمه أصول التربية، وكيف يتعامل مع الغير، سواء كان أستاذا أو غير ذلك، مضيفا أن المنظومة التربوية لا تلقن التربية للتلميذ، فالأسرة هي المربي الأول والمسؤول الأول عن سلوكيات التلميذ حتى داخل المؤسسة التربوية، وإلا لماذا يتم استدعاء الأولياء عندما يكون هناك مشكل مع التلميذ؟، وفي اعتقاده أن الذين يتهمون المؤسسة التربوية بالتقصير، مخطئون في التقدير، كما أن الذين يعتبرون أن التلميذ يتحصل على التربية في المدارس، مخطئون أيضا، وأوضح صلاي، أن الأمر مرتبط بسلوكيات مجتمع يتلقى أسس التربية في البيت، قبل الخروج إلى الشارع، ومنه إلى المدرسة، فالمدرسة تصقل الطفل بالمعارف وتلقنه التربية، على حد تعبيره، وتساءل المتحدث عن ربط العنف بالمنظومة التربوية في كل مرة يقع حادث، مؤكدا أن الأمر غير منطقي، مشيرا في الوقت نفسه، إلى ما حدث مؤخرا في باتنة، وقال إن الأمر فعل معزول يتحمل تبعاته الوالدان، بحكم أن التلميذ لا يزال قاصرا، فالمسؤولية في هكذا أحداث تقع على عاتق الأسرة التي تلقن الطفل أبجديات الأخلاق واحترام الآخر، سواء كان في الشارع أو أستاذ في المدرسة، لكن على الدولة ـ حسبه ـضبط الكثير من الأمور التي بها تحمي الأستاذ من أي تهور خارجي، كما تحمي التلميذ نفسه. في السياق، ثمن عبد الباقي صلاي قرار السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حول كتابة الأخبار ونشرها دونما رقيب ولا حسيب، حفاظا على النسيج المجتمعي للأمة، لأن حرية التعبير ليست في نشر الجرائم والافتراء على الناس وتلفيف التهم، حسب قوله.

#المساء #مختصون #يطالبون #بإرجاع #هيبة #المنظومة #التربوية #الصحة النفسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى