صحة الفم والأسنان

هل نسيطر على الأمراض بين الطلبة؟

حنان الكسواني

عمان – مع بدء العد التنازلي لعودة طلبة المدارس إلى مقاعدهم في الغرف الصفية مع نهاية الشهر الحالي، تتربص بوزارتي الصحة والتربية والتعليم، ملفات صحية طلابية حيوية عديدة، كانت الحكومة مشغولة عنها العامين المنصرمين، في مواجهة الوباء العالمي كورونا.
هذه الملفات الصحية الساخنة، ازدادت أهميتها عقب ازدياد هجرة الطلبة من المدارس الخاصة الى الحكومية، لتلقي بظلالها على الوزارتين، مسؤولية مكافحة الأمراض التي تنال من اجسامهم، ويعتمد نجاحها في هذه المهمة، على تنفيذ برامج توعوية وقائية وعلاجية مستمرة.
وتترقب الوزراتان حاليا، عمليات البحث عن حلول للأمراض المزمنة والسارية، خصوصا وأن نحو 200 ألف طالب وطالبة، انضموا للمدارس الحكومية للصف الاول الالزامي فقط، ما يعني انها فرصة مناسبة لترسيخ سلوكيات صحية لديهم ولدى أسرهم.
وعبر التقارير السنوية الموثقة للوزارتين، فإن أغلب الامراض الجلدية والداخلية وصحة الفم والأسنان وأمراض العيون المكتشفة بين الطلبة، ترتبط مباشرة بسلوكياتهم، فأغلب هذه الأمراض ناجمة عن “مزيج من نظام غذاء غير صحي وقلة الحركة وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، أو الإهمال في علاجها”، وفق خبراء في المجال الصحي والتربوي والإعلامي.
هؤلاء الخبراء، عولوا كثيرا على العطلة الصيفية التي قاربت على الانتهاء، إذ كانت تعد فرصة يمكن استغلالها لتوعية الطلبة وذويهم، عن طريق برامج تثقيفية لتغيير سلوكياتهم، وتوجيه رسائل إقناعية وعاطفية مدروسة، بأسلوب شيق وجذاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الى جانب برامج تثقيفية في التلفزيونات والإذاعات الأردنية والمواقع الالكترونية.
غير أن الوزارتين، تعتمدان كثيرا على الأساليب التقليدية في التوعية المدرسية، كتوزيع الكتيبات والنشرات والملصقات، واعتماد بعض إدارات المدارس على استخدام الإذاعات المدرسية ومجلات الحائط للتوعية. هذه الطرق، وفق الخبراء، قد تسهم بضياع فرصة حقيقية لنشر رسائل توعوية مدروسة تخاطب مختلف فئات الطلبة العمرية.
وتولدت هذه الاقتراحات عند الخبراء، عقب تحليل أرقام وزارة الصحة/ مديرية الصحة المدرسية، إذ أشارت الى أن أغلب الامراض المكتشفة الأكثر انتشارا، ترتبط بانعدام النظافة الشخصية، ومنها مرض التقمل الذي ما يزال يتصدر قائمة الأمراض السارية، كونه من الأمراض الجلدية المعدية، وينتشر سريعا بين الطلبة ويمكن السيطرة عليه بالتوعية الصحية.
وبرغم استمرار جائحة كورونا في الفصل الدراسي الماضي (2020-2021)، لكن الفرق التفتيشية من “الصحة “رصدت 1000 إصابة بينها نحو 900 بين طلبة الصف الأول، كما رصدت تحت بند الأمراض الجلدية، مرض الجرب وسعفة الرأس.
ويرى أستاذ علم الأوبئة والإحصاء الحيوي الدكتور يوسف القاعود، أن ارتفاع إصابات الأمراض السارية والمزمنة، ومنها السكري والسمنة الزائدة بين صفوف الطلبة، قد يعود الى خلل في حصر وتوثيق البيانات، لعدم انتظام طلبة المدارس لعام 2021، داعيا الحكومة للتحرك بجدية لوضع خطط واستراتيجيات قابلة للتطبيق تحد من هذه الأمراض التي يمكن السيطرة عليها، بتكثيف برامج التوعية والتثقيف بين الطلبة وذويهم.
الإحصائيات المتعلقة بارتفاع الامراض المكتشفة بين الطلبة في السنوات الماضية، تستدعي من وزارة الصحة إعادة هيكلة نظام الصحة الأولية، ليشمل البرامج الوقائية والعلاجية، وفق القاعود.
وترى مديرة الصحة المدرسية السابقة الدكتوره سمر بطارسة، أن عدد الاصابات بمرض التقمل “ليس مرتفعا”، مقارنة بعدد طلبة المدارس، لافتة إلى أن “النظافة الشخصية مهمة جدا للطلبة”.
واكدت بطارسة أن الوزارة توزع “الشامبو” مجانا على أولياء أمور الطلبة، الذي قد يسهم بالحد من انتشار هذا المرض المعدي الذي يتصدر في كل عام تقاريرنا السنوية، لسرعة انتشار العدوى بين الطلبة.
أما بالنسبة للامراض الداخلية المرتبط أغلبها بسلوكيات غذائية وقلة النشاط الحركي، تصدر مرض السمنة قائمة الأمراض المكتشفة، ما سيضع الوزارتين معا في تحدي السيطرة عليه.
غير أن مستشار رئاسة الوزراء لشؤون الصحة وملف كورونا الدكتور عادل البلبيسي، ربط بين الجائحة وارتفاع نسب انتشار بعض الأمراض بين الطلبة، بخاصة السمنة الزائدة والسكري وأمراض الجهاز التنفسي وصحة الفم والاسنان.
وأضاف البلبيسي لـ”الغد”، إن مرض السمنة الزائدة، كونه يتسبب بأمراض أخرى كالسكري والقلب والدهنيات، يمكن السيطرة عليه بالترويج لأنماط سلوكية صحية، وتعليم الطلبة اتباع طعام صحي وممارسة النشاطات الرياضية المختلفة.
واتفق معه الناطق الاعلامي لـ”التربية والتعليم” أحمد المساعفة، بأنه من حيث أسباب انتشار السمنة الزائدة بين طلبة المدارس، قائلا “ان ارتفاع معدلات بعض الأمراض المزمنة بين الطلبة، مرده الجائحة التي دفعت بهم للبقاء فترات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية، وحرمتهم من ممارسة أنشطة بدنية، كانوا يمارسونها في المدرسة أو بعدها، بخاصة في الحدائق العامة”.
وأشار المساعفة في تصريحات صحفية لـ”الغد”، الى ان الوزارة وضعت إجراءات صحية وزعت الأسبوع الماضي على إدارات التعليم الحكومية والخاصة، بينها نشر التوعية بين الطلبة بقضايا صحية وبيئية، باستخدام الإذاعات المدرسية ومجلات الحائط.
كذلك طلبت الوزارة، بحسب المساعفة، من مديري ومديرات المدارس الحكومية والخاصة ورياض الأطفال، بتطبيق الاشتراطات الصحية الواجب توافرها في المقاصف المدرسية والأغذية المسموح ببيعها والممنوعة وتعديلاتها لسنة 2019، حفاظا على صحتهم ولتفادي إصابتهم بأمراض تتعلق بالأغذية.
بدوره، اقترح المتخصص بالإعلام الرقمي من جامعة الشرق الأوسط الدكتور أحمد عريقات، اطلاق مسابقات توعوية صحية بافكار مبتكرة، يعدها الطلبة وتطلق عبر وسائل التواصل على هيئة فيديوهات قصيرة، متوقعا بأن تكون نتائج تغيير السلوكيات أفضل وأسرع.
في المقابل، تسعى “التربية والتعليم”، بطريقة التشبيك وكسب تأييد لتوظيف مؤثرين ممن لديهم محتوى إيجابي على السوشال ميديا، لتشجيع الطلبة من مختلف الأعمار لتبني سلوكيات صحية سليمة، لافتا الى ان الأساليب التقليدية للحكومة، لن تكون مؤثرة مقارنة بتأثير الإعلام الرقمي السريع والمدروس.
وقبل شهرين، حذرت منظمة الصحة العالمية، من اندفاع الأطفال على طلب الوجبات السريعة عبر تطبيقات الهواتف الذكية، وممارستهم لألعاب الإنترنت، ساعدت على انتشار السمنة في أنحاء أوروبا.
كما اقترحت المنظمة فرض قيود على تسويق الأغذية غير الصحية للأطفال، وتخفيض أسعار الأغذية الصحية، وتشجيع الناس من مختلف الفئات العمرية على ممارسة الرياضة.
أما بالنسبة لتسوس الأسنان “الوباء العالمي”، وفق وصف منظمة الصحة العالمية، فإنه ما يزال يشكل تحديا كبيرا للوزارتين، كونه مرتبطا بزرع ثقافة تنظيف الأسنان بين الأطفال خلال مرحلة الطفولة المبكرة (رياض الأطفال)، وتوفير معجون الاسنان والفرشاة مجانا لطلبة الصف الأول ورياض الاطفال، وتعليمهم الطرق السليمة لتنظيف أسنانهم.
وبمراجعة “الغد” للتقارير السنوية لـ”الصحة”، فإنه منذ 10 أعوام ونيف وأرقام الإصابات بأمراض الفم والأسنان بين الطلبة في المدارس الحكومية تراوح مكانها، حتى ثبتت النسبة عند الـ74 %، غير أن التقرير السنوي لمديرية الصحة المدرسية في “الصحة” العام الماضي، أكد ارتفاع النسبة إلى 78 %، وتتعلق بنخر الأسنان والتهاب اللثة وأنسجة الفم، وتفلور وتكلس رصدت في الجائحة.
وبما أن المشكلة واضحة للحكومة، متمثلة بذراعيها “الصحة” و”التربية والتعليم”، حول انتشار امراض الفم والأسنان بين الطلبة، بخاصة لمن هم في الصفوف الأساسية الأولى، اقترح نقيب أطباء الأسنان عازم القدومي، تطبيق إجراءات عملية وقائية، كإجراء فحوص دورية للطلبة مرتين سنويا، وتوفير المخصصات المالية لشراء الفلوريد وتوزيعها مجانا على الطلبة لحماية أسنانهم.
أما رئيسة قسم الصحة السنية السابقة بـ”الصحة” الدكتورة منى الخطيب فاقترحت “إنعاش فكرة التأمين الصحي للأسنان، بحيث يغطى الطلبة، وتحديدا طلبة الصف الـ4 الذين تتشكل لديهم أسنان دائمة بدون إهدار فرصة إقامة البرنامج الوقائي لصفوف طلبة الصف الـ1 (6 سنوات) ممن يراجعون المراكز الصحية لإجراء فحص دوري والكشف عن صحة الفم، ووضع المادة السادة اللاصقة حول أسنانهم مجانا لحمايتها من التسوس.
اما بالنسبة للامراض المكتشفة سنويا بين الطلبة من الفحوص الشاملة الدورية لـطلبة الصفوف الـ1 والـ4 والـ7 والـ10، وهي الأمراض الجلدية والسمنة والفم والأسنان، والعيون، والأنف والأذن والحنجرة، وامراض العمود الفقري، بينما كشف عن 9 أمراض سارية بين الطلبة ممن قارب عددهم نحو 1.4 مليون طالب وطالبة، يتلقون تعليمهم المدرسي في 4 آلاف مدرسة حكومية في المملكة.

#هل #نسيطر #على #الأمراض #بين #الطلبة #صحة الفم والأسنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى