هل تعلم

وتلك الأيام.. بريطانيا التي قسمت العرب مهددة بالتقسيم | المنتصف نت

إنها حقا أحكام السماء التي لا تقبل تفسيرا في غير مقاصدها، ولكن البشر يعوزهم الصبر. 

عندما كنت أستاذا زائرا في كلية السياسة الدولية بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي لعدة سنوات، وهي من الجامعات الأولى في الهند وتقتصر الدراسة فيها فقط على الدراسات العليا، حدثني الزميل بروفسور كريشما عن أضرار السياسات الاستعمارية للامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس على المجتمع الهندي عندما احتلت الهند، بعد أن اسقطت الحكم المغولي الإسلامي في شبه القارة الهندية عام 1780م.

 

ذكر الصديق كريشما بأن المغول إنجزوا حضارة عظيمة في الهند ولم يضطهدوا المكون الهندوسي أو غيره، بل نشروا المدارس والتعليم وطورو الزراعة والصناعة والتجارة حتى سميت الهند بلاد البهارات نسبة لحجم التجارة، واحتكرت الهند وقتها حوالي ربع صناعة النسيج في العالم واشتهر منها  الحرير الكشميري.

 

وعلى فكرة أن المغول في الهند الذين تركوا لنا شواخص حضارية لازالت قائمة أمام أنظار الزوار، مثل تاج محل إحدى عجائب الدنيا السبع الذي قال عنه شاعر الهند طاغور إنه قصرا شيد بأحجار الجنة.

وكتب عنه الرئيس الأمريكي بيل كلنتون بعد زيارته له “أدركت اليوم أن العالم صنفان، الأول من زار تاج محل والثاني من لم يزره”. كذلك هناك مسجد قطيب منار  في دلهي وغيرهن الكثير.

 

إن المغول غير التتر الذين استباحوا عاصمة الدنيا بغداد ودمروا مكتباتها وجامعاتها.

 

يضيف الصديق بأن وسيلتهم -أي الانجليز- فرق تسد، فقسموا المجتمع الهندي إلى ملل وطوائف وإثنيات، ورسخوا في الهند الصراع بين الهندوس والمسلمين، على الرغم من أن الذين التفوا حول الزعيم الهندي الراحل غاندي كانوا من كل الأديان والملل يطالبون بالاستقلال.

 

لكن غاندي قال يوما: حتى لو انتزعنا الاستقلال، على أسلوبه في الكفاح السلمي، فإن دفائن الإنجليز ستنفجر يوما في بيتنا.

 

وفعلا انقسمت الهند فيما بعد إلى الهند الهندوسية وباكستان المسلمة،  وبقيت جذوة الصراعات الطائفية والإثنية تشتعل، ثم تخمد ولا تنطفئ، لتعود بين الحين والآخر في أكثر من مكان.

 

في مطلع القرن العشرين، ذهب مهاجران من الهند للعيش في بريطانيا العظمى، والتي قال عنها الناشط الإنساني البريطاني جورج غلوي بأنه عندما سأل والده يوما عن معنى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس أجابه أبوه  ساخرا: نعم يا ولدي هذا صحيح، لأن الله لا يثق بالإنجليز فيسلط عليهم الشمس لأنهم يسرقون في الظلام!

 

استقر المهاجر الأول الهندوسي في إنكلترا وأنجب ولدا سماه ريشي، والثاني المسلم استقر في اسكتلندا وأنجب ولدا سماه حمزة   .

 

اليوم ريشي وحمزة يحكمان بريطانيا العظمى، فتحا نقاشا معمقا بينهما حول تفكيكها وتقسيمها  بينهما. 

 

ألم يقل من قبل شاعر الأندلس أبو البقاء الرندي في مرثيته الشهيرة: 

لكل شيء إذا ما تم نقصان

فلا يغر بطيب العيش إنسان

 

 

* كاتب وأكاديمي من العراق أستاذ القانون والنظم السياسية

#وتلك #الأيام #بريطانيا #التي #قسمت #العرب #مهددة #بالتقسيم #المنتصف #نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى