انترنت

يبيعون ”الصّور” بلا سلعة ولا رأس مال… تجارة على الإنترنت المغربي – رصيف 22

“تاجر بالجملة. العرض محدود والحد الأدنى للطلب 100 قطعة والتوصيل إلى جميع المدن”؛ هكذا اختار مراد وضع الإعلان على حسابه في فيسبوك، مرفقاً برقم هاتفه وصور جذابة لأحذية جلدية. يبدو السعر مغرياً جداً مقارنةً مع أحذية بالجودة نفسها. اتصلنا بمراد لنعرف مكان متجره بقصد مشاهدة السلعة المعروضة مباشرةً بعدما تقمّصنا دور تاجرة مبتدئة ترغب في إطلاق مشروع لبيع أحذية الأطفال. كان رده أن المعمل بعيد جداً، ويصعب الوصول إليه، فكان الإلحاح منّا على التوجه إلى المكان، وأننا على أتم الاستعداد لذلك مهما بعدت المسافات، فوعدنا أنه سيجدد الاتصال بنا مرةً أخرى.

بعد اتصالات عديدة وإلحاح شديد منا وإظهار الرغبة في اقتناء السلعة، اعترف مراد بأن صديقاً له هو من يبعث له الصور للتسويق الإلكتروني، ويستقبل طلبات الزبائن ويبعث لهم المطلوب، وهو مجرد وسيط.

حاول إقناعنا بشتى السبل للتعامل معه، مؤكداً أن السلعة المعروضة جيدة، وأن تعامله الماليّ حسن، وأننا لن نؤدي أي أموال إلاّ بعد استلامنا السلعة، فأرشدنا إلى محالّ تجارية تقع في مدينة سلا للتعرف على نوعية السلعة المعروضة لديه على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي خضم حديثه أكد أن ما يقوم به مجرد مهنة ثانوية يضمن بها دخلاً إضافياً لا يتعدى ربحه في القطعة الواحدة أربعة أو خمسة دراهم (نصف دولار).

بعد اتصالات عديدة وإلحاح شديد منا وإظهار الرغبة في اقتناء السلعة، اعترف مراد بأن صديقاً له هو من يبعث له الصور للتسويق الإلكتروني، ويستقبل طلبات الزبائن ويبعث لهم المطلوب، وهو مجرد وسيط

مراد ما هو إلاّ نموذج لعدد كبير من الوسطاء الذين أصبحت تعجّ بهم مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. يكفيهم حساب على الموقع، ليستخدموا مهاراتهم المتنوعة في التواصل من أجل استقطاب زبائن كثر. يدّعون أنهم تجار جُملة لكنهم لا يستثمرون فلساً واحداً في تجارة تدرّ عليهم أرباحاً مرتفعةً.

إذا كان مراد يعتمد طريقة “الأداء بعد الاستلام”، فإن تجاراً على مواقع التواصل الاجتماعي يشترطون “الأداء قبل التوصيل”، وهي الطريقة التي أوقعت عدداً من الزبائن في شباك النصب والاحتيال الرقمي، كما تُظهر ذلك التعليقات المنتشرة في مختلف المجموعات الفيسبوكية، المخصصة لهذا النوع من التجارة.

تضع سهام، وهي امرأة تتحدّر من مدينة الدار البيضاء، إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي تروّج من خلالها لمنصات إلكترونية دولية للملابس الخاصة بالأطفال والنساء، وتدعو الراغبات في اقتناء المنتوجات المعروضة في هذه المنصات إلى الالتحاق بمجموعتها على تطبيق واتساب.

ترسل سهام في المجموعة الرابط الإلكتروني للمنصة الدولية التي ستقتني منها والتي تكون فيها تخفيضات، وتطلب من زبوناتها تحديد تفاصيل المنتج المراد شراؤه، مع شرط دفع ثمنه المحدد على المنصة وإضافة 10 دراهم (ما يقارب دولار) كربح خاص بها.

تحكي سهام عن تجربتها لرصيف22، قائلةً: “ما أقوم به هو جمع طلبات الزبونات وهنّ نساء بالضرورة، يدفعن لي المبلغ المتفق عليه عبر التحويل البنكي إلى حسابي، وبعد أن يصلني نحو ألف درهم من تكلفة الطلبات (نحو 97 دولاراً)، أقتني من الموقع عبر بطاقتي البنكية، وبعد التوصل بالمنتوجات، أوزعها على الزبونات عبر اللقاء المباشر معهن في مكان قريب من بيتي”.

تستفيد سهام، كما بقية هؤلاء التجار، من جهل كثيرين بكيفية الشراء على الإنترنت وعدم توفّر العديد من المغاربة، نساءً ورجالاً، على حسابات بنكية. تلجأ سهام للرفع من أرباحها إلى استخدام البطاقات البنكية لأفراد أسرتها بعدما تطلب منهم تفعيل الحصة المسموح بها سنوياً للشراء الإلكتروني الدوليّ، والمحددة من طرف بنك المغرب بـ15 ألف درهم (ما يقارب 1،500 دولار)، كما أنها تلجأ إلى استعمال أسماء أقاربها ومعارفها لاستقبال الطلبات تفادياً لأداء أيّ ضرائب لفائدة الجمارك.

ترسل سهام في المجموعة الرابط الإلكتروني للمنصة الدولية التي ستقتني منها والتي تكون فيها تخفيضات، وتطلب من زبوناتها تحديد تفاصيل المنتج المراد شراؤه، مع شرط دفع ثمنه المحدد على المنصة وإضافة 10 دراهم (ما يقارب دولار) كربح خاص بها

الفرق بين سهام وزبوناتها، هو توفرها على بطاقة بنكية تمكّنها من الشراء من المنصات الدولية، غير أن قراراً جديداً لإدارة الجمارك المغربية ينص على دفع تعريفة جمركية على السلع التي تقل عن 1،250 درهماً (نحو 120 دولاراً)، بعد أن كانت معفوّةً منها، جعلها تتراجع عن هذا النوع من التجارة، فأعلنت لعضوات مجموعتها في واتساب أنه يتعذر عليها الاستمرار في هذا النوع من التجارة، إلا إذا رغبت الزبونات في أداء ضريبة الجمارك، فكان جواب جلّهن الانسحاب من المجموعة.

كانت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في المغرب، قد أعلنت نهاية شهر حزيران/ يونيو الماضي، أنه “سيتم ابتداءً من الأول تموز/ يوليو 2022، استثناء المشتريات المنجزة عبر منصات التجارة الإلكترونية الدولية من الإعفاء من الرسوم الجمركية عند الاستيراد بصرف النظر عن قيمتها”.

بعض الممارسات غير القانونية أدت إلى “ظهور سوق غير مهيكلة تنشط من خلال إعادة بيع السلع التي يتم شراؤها عبر مواقع التجارة الإلكترونية الدولية”

قالت إدارة الجمارك، في بيان لها “إن التجارة الإلكترونية عبر المنصّات الدولية عرفت نمواً مضطرداً، إذ فاق رقم معاملات بعض منصات التجارة الإلكترونية الدولية المنجزة في المغرب مليار درهم سنة 2021”.

يوضح البلاغ أن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة قامت بتحرّيات، أظهرت أن بعض الممارسات غير القانونية أدت إلى “ظهور سوق غير مهيكلة تنشط من خلال إعادة بيع السلع التي يتم شراؤها عبر مواقع التجارة الإلكترونية الدولية، وتعتمد على الغش في قيمة المقتنيات المصرّح بها (تقليص قيمة الفاتورة)، أو تجزئتها بين مستفيدين عدة بالرغم من أن المشتري الفعلي هو الشخص نفسه، وذلك للاستفادة من الإعفاء الجمركي والتهرب من مراقبة المعايير المتعلقة بحماية المستهلك”.

أشارت إدارة الجمارك إلى أن هذه الممارسات تشكل “منافسةً غير شريفة للصناعة المحلية وللتجارة النظامية، وهدراً لمداخيل الدولة، وخطراً بالنسبة إلى صحة المستهلك”.

وعبّرت سهام عن رفضها لهذا القرار، إذ قالت: “لا يمكنني أن أؤدي الضرائب للجمارك بعدما رفعت الإعفاء الضريبي عن كل شراء إلكتروني من الخارج، فهامش الربح الذي كنت أجنيه ضئيل جداً، وما قامت به الدولة كانت نتائجه صعبةً جداً على نساء كن يتاجرن إلكترونياً داخل بيوتهن.

سهام نموذج التاجرة التي بلا رأسمال، لأن الأموال التي تقتني بها السلعة تحصل عليها من زبوناتها عبر الدفع المسبق، وبهذا تضمن تسلم الزبونة للمنتج، كما تضمن هامش ربحها.

يرى الطيب أعيس، الخبير الاقتصادي والمحلل المالي، أن قرار الجمارك المغربية جاء بعد وقوع تحولات وتغييرات على مستوى الشراء من المنصات الإلكترونية الدولية، والتي لم تعد ذات طابع شخصي، بل أصبحت تجاريةً بعدما ارتفع الشراء الإلكتروني، إلى نحو 100 مليون دولار سنة 2021، وساهم فيه استغلال الإعفاء الموجه للطرود التي تقل قيمتها عن 1،250 درهماً (نحو 120 دولاراً)، من قبل تجار متمرسين، وهو ما عدّه الخبير الاقتصادي، في تصريح لرصيف22، “منافسةً غير شريفة لا تخضع لأي ضريبة، في حين أن هناك تجاراً يؤدون الضريبة على القيمة المضافة (20 في المئة)”.

وأوضح أعيس أن مجموعةً من الأشخاص يستوردون كميات كبيرةً من السلع بأسماء مختلفة ويقومون بتزوير الفاتورة، ولا يؤدون أي ضريبة، وهذا يضرّ بالاقتصاد الوطني، حسب رأيه، كما أنه تهرّب ضريبي واضح يضيّع على الدولة مجموعةً من المداخيل والتي تقدَّر بنحو 50 مليون دولار.

كما أشار المحلل المالي إلى أن هناك منصات لا تحترم معايير الجودة، وهو ما يتضرر منه المستهلك المغربي، وهو ما يتطلب الحفاظ على حقوق المستهلكين، وتشديد المراقبة، ووضع حد لفوضى الشراء من المنصات الخارجية.

إذا كان الخبير الاقتصادي يرى أن قرار الحكومة جاء من أجل وضع حد للضرر الاقتصادي للمغرب، فإن هناك أصواتاً ارتفعت، خاصةً بين النساء، تحتجّ على قرار الحكومة، وهو ما تظهره مجموعات خاصة بالشراء من المنصات الدولية، مثل مجموعة فيسبوكية تحمل اسم “بات بات شين ماروك”، التي اختارت بعض عضواتها تغيير تدويناتها من عرض المنتوجات لجلب الزبائن إلى الانخراط في الوسم “الهاشتاغ” المطالِب برحيل رئيس الحكومة وتخفيض أسعار الوقود.



#يبيعون #الصور #بلا #سلعة #ولا #رأس #مال #تجارة #على #الإنترنت #المغربي #رصيف # انترنت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى