هل تعلم

إلغاء حفل ترافيس سكوت… ماذا ربحت أو خسرت مصر؟

كان يمكن أن يكتمل المشهد السياحي في مصر هذا الصيف بالحفل الضخم الذي كان مفترضاً أن يحييه مغني الراب الأميركي ترافيس سكوت عند سفح أهرامات الجيزة، لكن على رغم المناشدات والمحاولات والاستغاثات أعلنت الشركة المنظمة إلغاء الحدث اضطرارياً.

الشركة بررت إلغاء الحفل بسبب ضيق الوقت وعدم تمكنهم من إدخال المعدات التجهيزية في محيط الأهرامات، على رغم أن فريق العمل الأجنبي موجود بمصر منذ 10 أيام تقريباً، لكن تعذر الحصول على الموافقات الأمنية في الوقت المناسب حال دون إقامته.

وإن كان ترافيس سكوت قد فجر مفاجأة بأن كتب عبر موقع “إكس” (تويتر سابقاً) أن حفله بمصر سيقام ولكن في موعد جديد سيتم الكشف عنه قريباً، إلا أن تداعيات الأزمة جعلت المشهد مشوشاً تماماً، وكشفت عن ارتباك واضح في التعامل مع الضغوط التي تحركها مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة أن الضرر الذي أثاره بيان الإلغاء قد وقع بالفعل، متمثلاً في آلاف التعليقات الغاضبة من حاملي التذاكر بجميع أنحاء العالم، وكذلك في التأثير السلبي لما جرى والذي تم تناوله في عديد من وسائل الإعلام الدولية.

حفل بديل

تغريدة ترافيس سكوت عبر منصة “إكس”، التي شاهدها أكثر من ثلاثة ملايين خلال وقت قصير، قال فيها إن الأمر فقط يحتاج إلى بعض الوقت وسيعلن قريباً عن موعد بديل لحفله في مصر الذي لم يقم في موعده لأسباب لوجيستية، تدل على أن المطرب الشهير متمسك بالأهرامات كموقع فريد من عجائب الدنيا السبع يلائم إطلاق ألبومه والاحتفاء مع جمهوره هناك لأول مرة.

لكن بقراءة أولية لما خلفه قرار الإلغاء، الذي جاء عبر بيان مقتضب، وأيضاً طريقة التعامل مع الحدث منذ البداية، فهناك كثير من علامات الاستفهام، فمن السهل إدراك أن المنظمين انتظروا حتى اللحظات الأخيرة على أمل أن تتحسن الأوضاع، لكن كان من الصعب الانتهاء من التحضيرات خلال هذا الوقت القصير المتبقي، إذ إن تأخر وصول التصريحات الأمنية قضى على أي أمل متبق.

وجاء في البيان الرسمي “نأسف لإعلان إلغاء حفل UTOPIA نحن نتفهم ونعتذر عن أي خيبة أمل أو إزعاج قد يسببه هذا الأمر”.

 

 

أضاف البيان أنه كانت هناك جهود جبارة، لكن لسوء الحظ لم تسر الأمور كما هو مخطط لها بسبب تعقيدات إنتاجية، مع تطمينات بأن حاملي التذاكر سيستردون ثمنها كاملاً خلال أيام قليلة.

تصريحات العضو المنتدب لشركة “تيكتس مارشيه” محمد سراج حملت تفاصيل أكثر، من بينها أن الخسائر المبدئية لإلغاء هذا الحدث تصل إلى 300 مليون جنيه مصري (10 ملايين دولار أميركي)، كما تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ باتت 10 حفلات كبرى في الأقل مهددة بإلغاء بسبب هذا التصرف، ولن يكون من السهل إقناع نجوم الغناء العالميين بالموافقة خوفاً من حدوث سيناريو مشابه.

لكن هنا يمكن التذكير بحفلات ضخمة أقيمت في مصر على مدى الفترة الماضية، من بينها حفل جون ليجند وقبله حفل جينيفر لوبيز، إضافة إلى عروض أزياء لكبرى دور الموضة في مناطق أثرية بالبلاد.

“هذا جنون”

في الوقت الذي تحتفي فيه وسائل إعلام محلية بالتيك توكر الألماني نويل روبنسون بلقاءات خاصة باعتباره يروج للسياحة المصرية من طريق وجوده بالمعالم السياحية ومشاركته في المهرجان الترفيهي بمدينة العلمين الجديدة، كان يتوقع أن يتم التعامل أيضاً مع حفل ترافيس سكوت على أنه وسيلة للترويج السياحي كذلك.

الرابر الذي يتابعه أكثر من خمسين مليونا على موقع “إنستغرام” فقط ويتمتع بشعبية كاسحة بين أوساط جيل الشباب تبث حفلاته عبر أرجاء الكرة الأرضية فيما كان يتمتع حفله الذي كان مقرراً إقامته مساء اليوم الجمعة بمصر بأهمية خاصة، إذ كان يرغب بشدة في أن يدشن ألبومه “يوتوبيا- المدينة الفاضلة” من مصر، وهو الألبوم الذي يعود به إلى الساحة بعد أكثر من خمس سنوات.

وعلى رغم أن دعوات منع الحفل قد انطلقت بالفعل منذ أكثر من أسبوعين فإن البعض توقع ألا يتم الالتفات لها خصوصاً أنها كانت تستند إلى معلومات مغلوطة أثبتت التحريات والتحقيقات القضائية عدم دقتها، إذ كانت متعلقة بوفيات صاحبت حفل سكوت في تكساس الأميركية قبل عامين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المهتمون بالشأن السياحي في مصر سعداء بارتفاع عدد الوافدين إلى البلاد بنسبة تقترب من الـ28 في المئة خلال العام المالي 2022 ـ 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لكن في المقابل هناك آلاف التعليقات الغاضبة التي تتناثر عبر صفحات ومجموعات هواة موسيقى الراب، وبعض منها وصل إلى الصحفة الرسمية على “إنستغرام” لشركة “تيكتس مارشيه” منصة بيع تذاكر الحفل التي وضعت بيان شركة “لايف نيشن” التي كانت تتولى التنظيم على صفحتها.

وخلال دقائق من نشر البيان عبر المعلقون عن استيائهم الشديد نظراً إلى أن عدداً كبيراً منهم كان قد حجز تذاكر السفر بالفعل، وكذلك غرف الفنادق في مصر، بخاصة أن أكثر من نصف حاملي التذاكر من خارج البلاد، وبينهم معجبون لترافيس سكوت في فرنسا وقد كتب حساب يحمل اسم “ariel.abitbol” أن ما يحدث نوع من الجنون، وتابع “نحن قادمون من فرنسا ودفعنا ثمن كل شيء ثم يتم الإلغاء قبل الحفل بيومين! هذا جنون”.

وذكر حساب آخر أنه أنفق كل مدخراته على تلك الرحلة ليتمكن من دفع ثمن الإقامة بمصر وكذلك كلفة رحلة الطيران، ليستمتع بحفل استثنائي لمطربه المفضل، وكان الجدل الأكبر من نصيب مصمم الجرافيك “سي جاي” الذي ظهر في فيديو قال فيه إنه باع منزله كي يتسنى له تدبير نفقات حفل ترافيس سكوت في مصر من إقامة وسفر وثمن تذكرة الدخول، إذ وصل سعر التذكرة في السوق الرسمية إلى 200 دولار أميركي، بينما تضاعف هذا المبلغ أكثر من مرة في السوق الموازية. ووصف كثيرون بيان الشركة الذي جاء في وقت حرج بأنه “عار”.

نظرية المؤامرة

أمام سيل التعليقات الغاضبة والهجومية أغلقت الشركة خاصية التعليقات على المنشور بعد دقائق قليلة، فيما ذكر آخرون بأن ما حدث هو نفس سيناريو إلغاء حفل الممثل الكوميدي كيفن هارت باستاد القاهرة في فبراير (شباط) الماضي، حين تم إعلان الإلغاء قبلها بأقل من يومين وقيل وقتها إن الأسباب لوجيستية في حين كانت حملة المطالبة بمنعه من الأداء في مصر سببها دعم هارت حركة الأفروسنتريك، وهو الاتهام الذي طال ترافيس سكوت أيضاً، ولكن مع الترويج لاتهامات أخرى مثل عبادة الشيطان وبث ذبذبات تثير الأعصاب وتضر بالحضور وبالمباني وغيرها، وهي الاتهامات التي على ما يبدو وجدت من يصدقها.

في المقابل ذهب بعض النشطاء إلى الربط بين ما حدث في حفل ترافيس سكوت وقبله حفل كيفن هارت اللذين تم التعامل معهما بالطريقة نفسها، حيث كان يتم حجز تذاكرهما عبر منصة “تيكتس مارشيه”، وهو أمر بالنسبة إليهم غريب، إذ يتوقعون أن تكون هناك جهات منافسة هي التي تشعل حملات الهجوم الضارية والتي أدت في النهاية إلى إفساد المشروعين، وهو الكلام الذي يمكن الرد عليه بأن المنصة ذاتها وقفت على مئات العروض الكبرى التي اكتملت بشكل اعتيادي، وبحسب ما هو واضح فالتأويلات والتحليلات لن تتوقف والتي يحلو للبعض أن يختصرها باللجوء لنظرية المؤامرة كالعادة.

تهرب وتراجع

في كل الأحوال ما حدث يشكل ارتباكاً كبيراً وتناقضاً في الرسائل بخاصة في ما يتعلق بالجانب السياحي، فبخلاف أن وزارة السياحة والآثار لم تعترض على وضع شعارها على الملصق الترويجي للحفل، فإنها ممثلة في الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي كانت تتحدث باسم الحفل وتعبر عن فخرها به باعتبارها من القائمين عليه.

رئيس الهيئة عمرو القاضي أعلن في تصريحات تلفزيونية أنه تم الاتفاق على ستة آلاف تذكرة فقط كي يسهل على الجهات المعنية تأمين الحضور، مشدداً على أن القضاء الأميركي برأ ترافيس سكوت بالفعل من الاتهامات الموجهة إليه في حفل تكساس وتم إلقاء اللوم على سوء التنظيم، لكن بعد تصاعد الهجوم توقف المسؤولون في الوزارة عن التعليق على الحدث، وما كان يتردد في أروقة المؤسسة وقتها أن الوزارة لم يعد لها ناقة ولا جمل في هذا الحفل.

 

 

التناقض نفسه وقعت فيه نقابة المهن الموسيقية، فبعد البيان شديد اللهجة الذي هاجم الحفل وتم الكشف من خلاله عن إلغاء تصريح النقابة بإقامته، عاد بعدها النقيب مصطفى كامل وظهر في فيديو خفف فيه من حدة الخطاب، مشيراً إلى أنه لم يكن يعلم شيئاً عن ترافيس سكوت أصلاً وأن النقابة سترحب به في حال حصول المنظمين على ترخيص أمني، ليعدل موقفه مرة أخرى ويعود لنبرة الخطاب التي تتهم المغني الحائز على جوائز موسيقية بارزة ونجح في استقطاب جماهير عريضة من أنحاء العالم خلال 10 سنوات فقط هي عمره الفني الاحترافي، بأنه يضرب في الهوية المصرية.

مصطفى كامل قال في تدوينة “الحمد لله رب العالمين، انتصر الحق والحفاظ على القيم والعادات والتقاليد، لم ولن نكون أبداً ضد تنشيط السياحة ولم ولن نمنع أياً من مظاهر الاحتفالات الفنية بجميع ألوانها وتنوعاتها الموسيقية ما دامت لا تمثل قلقاً وخوفاً على التكوين الفكري والعقائدي لأبنائنا من الشباب المصري”.

ووصف نقيب الموسيقيين مخالفي رأيه في هذا الصدد بأنهم أصحاب فكر شيطاني، واختتم تعليقه بعبارة: “شكراً لجميع جهات الأمن بوطني الحبيب مصر على قراءة المخاوف التي نادينا بها، تحيا بلادي بالقيم والمبادئ والاحترام”، لكن هل هذا الخطاب سيستمر التمسك به في حال تم إقامة حفل لسكوت في موعد بديل أم ستتغير مرة أخرى؟

أبعد من الخسارة المالية

حرص عدد من الإعلاميين والشخصيات العامة على التأكيد أن الوقوف في وجه الحفل أمر غير جيد على الإطلاق وتداعياته تتعدى الشق المادي بمراحل.

الإعلامية المصرية لميس الحديدي اعتبرت أن إلغاء الحفل يمثل خسارة كبيرة وغردت عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً) قائلة “رسمياً، إلغاء حفل ترافيس سكوت عند الأهرامات، أسئلة كثيرة بلا إجابات، والنتيجة واحدة، خسائر بالجملة بلا داع”.

كما عبر الناقد الفني طارق الشناوي عن استيائه من اتخاذ مثل هذا القرار، مشيراً إلى أنه ليس في صالح مصر. وقال “التداعيات القادمة لهذا القرار ستؤثر سلباً في كل الأنشطة الترفيهية والفنية والثقافية في مصر، توقعت حتى اللحظات الأخيرة إقامة الحفل لأن الخضوع للسوشيال ميديا في إصدار الأحكام على أي شخصية عامة سلاح قاتل، لكن في نهاية الأمر انتصر الصوت المتحفظ، وصارت الأحكام الأخلاقية المباشرة لها السطوة والصوت الأعلى، السوشيال ميديا لا يجب الخضوع إليها فهي ليست معادلاً موضوعياً للرأي العام”.

عالم الآثار ووزير شؤون الآثار السابق زاهي حواس قال في مداخلة تلفزيونية إن إلغاء الحفل يعتبر مصيبة وضرراً على سمعة البلاد.

ترافيس سكوت امتص بعض الغضب بتغريدته عن الحفل المرتقب، كما يستمر في الاحتفاء بطرح ألبومه الجديد “يوتوبيا” والذي كان قد أصدر منه قبل أيام أغنية بعنوان “كيبوب” مع ذا ويكند وباد باني وأثارت أزمة أيضاً بسبب تسميتها على اسم اللون الموسيقي “البوب الكوري” وأيضاً بسبب ترويجه لها ببوستر مصمم بشكل يشبه العلم الياباني، إذ اعتبر المنتقدون هذا الأمر بمثابة استيلاء ثقافي، فيما يرافق طرح العمل عرض فيلم في عدة سينمات مختارة بالولايات المتحدة الأميركية بعنوان “Circus Maximus”، مدته ساعة و15 دقيقة، كما سيعرض فيلمه “Aggro Dr1ft” للمرة الأولى في مهرجان فينسيا السينمائي بإيطاليا، الذي ستنطلق فعالياته في الـ30 من شهر أغسطس (آب) المقبل.

كما كشف سكوت عن عدة أغلفة للألبوم أثارت الاستغراب، وتضمنت صوراً لرجال من ذوي البشرة السوداء يرتدون ملابس باللونين الأسود والأحمر ويضعون عدسات لاصقة بيضاء ويشبهون الزومبي “الموتى الأحياء”، بحسب ما تصورهم الأعمال الفنية.

وكانت وسائل الإعلام العالمية اهتمت بقرار إلغاء حفل سكوت بمصر قبل موعده المقرر بيومين فقط وبينها “فارايتي ورولينغ ستون ودايلي ميل، وبيلبورد” فيما شكك موقع “تي أم زي” في الأسباب التي ساقها البيان الرسمي للإلغاء، وذلك بناءً على الجدل الذي صاحب هذا الحدث منذ الإعلان عنه وعلى رأسه موقف نقابة الموسيقيين في مصر، كما كانت هناك دعوى قضائية في القضاء الإداري أيضاً تطالب بمنع المغني من الأداء في مصر.



#إلغاء #حفل #ترافيس #سكوت #ماذا #ربحت #أو #خسرت #مصر
مصدر المقال الاصلي من موقع
www.independentarabia.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى