هل تعلم

“الجنائن المعلقة”: تداعيات الغزو الأميركي للعراق

حصل الفيلم العراقي “الجنائن المعلقة” على ثلاث جوائز في الدورة الثالثة عشرة لمهرجان مالمو للسينما العربية، التي اختتمت أخيرًا، منها جائزة أفضل فيلم روائي طويل، وجائزة أفضل سيناريو، وجائزة أفضل ممثل. وهو ما يعني كما يقول بعضهم اتجاه السينما العراقية نحو العالمية إذا ما توفرت لها الظروف ووسائل إنتاج ودعم متواصل.
سيناريو الفيلم والإخراج لأحمد ياسين الدراجي، وهو بإنتاج ودعم عراقي وبريطاني وفلسطيني ومصري وسعودي. يعكس الفيلم صورة الواقع السياسي الذي يعيشه العراق في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي عام 2003. وفكرة الفيلم، كما قال المخرج ذاته، ردّة فعل على مشاهدته لفيلم أميركي يسيء إلى العراق، ويظهر أميركا كقوة عظمى، لذا حمل فيلمه سرياليةٌ واضحةُ، خاصة أن المخرج درس صناعة الأفلام في كل من بغداد ولندن، من ضمن مجموعة غادرت العراق للدراسة في فرنسا، أو إنكلترا، أو ألمانيا، أو كندا، أو هولندا. الفيلم ينتمي إلى الأفلام السياسية، والعنوان كان سخرية من الواقع العراقي الذي كان جنائن معلّقة ذات مرة… وتدور القصة حول رحلة ستة أيام عندما يستيقظ أسعد (11 عامًا)، وطه (28 عامًا)، مع أول دعوة للصلاة لشق طريقهما إلى الطمر الصحي (جنائن معلقة)، وهي عبارة عن خليط سام من تلال النفايات التي تحشو معدة الأرض، وتحتضن مئات العائلات، ليعثر المراهق أسعد على روبوت دمية أميركية بحجم إنسان، ويعرضها على طه كهدية لإشباع رغبته العاطفية، ليهاجمه طه بتهمة خرق الأعراف والقوانين الأخلاقية. وبالصدفة، يكتشف أمير (18 عامًا) الدمية، وعلى الفور يعي قدرتها، ليجبر أسعد على العمل معه بالشراكة. تنجح تجارتهما، وتدر كثيرًا من المال عليهما، ليدرك أسعد أنه مستغل. تختطف الدمية بدوافع الغريزة، فيخاطر أسعد بحياته لإنقاذها، متخفيًا من عيون وألسنة المجتمع التي تطارد طه وتطالبه بالتصرّف وغسل العار. يهرب أسعد محاولًا حماية الدمية إلى ناقلة الجنود الأميركية المهجورة، ملجأه في الجنائن المعلقة. لكن الأوان فات، ودفنت الدمية مع جميع أحلامه، ليبدأ أسعد رحلة بالبحث عن دميته المخطوفة.
الفيلم الذي هو من تمثيل حسين محمد جليل (أسعد)، ووسام ضياء (طه)، وأكرم مازن علي (أمير)، وجواد الشكرجي (جمعة)، يناقش التابوات الثلاثة بزوايا مختلفة، من خلال تجار الخردة والموت.

هذه الفيلم يعالج أيضًا أزمة وجود الأميركيين في العراق إثر غزو البلد، وما حصل بسببهم، فبسبب اليتم، ونقص الحنان، تكون الدمية المعادل الموضوعي لوجود ثقافة غربية أميركية تحديدًا في الواقع العراقي الجديد، وبالتالي فهو يبحث عن رؤية عراقية لما حوله، وليس استنساخ التجارب. وهذا ينطوي، كما صرح مساعد المخرج وارث كويش، على جانب سياسي “فقد أردنا أن نشيد بضحايا ثورة تشرين؛ معظمنا شارك في تلك الثورة، ولا يمكننا أن ننسى كيف تعرض الشباب للاضطهاد والقتل من قبل الميليشيات والقوات الخاصة العراقية، فقط لأنهم وقفوا مطالبين بحقوقهم، وبمجتمع أفضل، وبالقضاء على الفساد”.

لقطة من فيلم “جنائن معلقة” 

سينما ما بعد الغزو
يقول الباحث الدكتور حسين الهنداوي إن هذا النجاح يعزز انطلاق السينما العراقية نحو العالمية، بعد أن حققت أفلامًا خلال العقدين الأخيرين على أيدي نخبة من الفنانين الموهوبين، في مقدمتهم المخرج محمد الدراجي، عبر عدد من الأفلام من بينها “ابن بابل”، و”الموصل”، و”الرحلة”، والذي فاز بجائزة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، والمخرج قتيبة الجنابي بأفلامه: “رجل الخشب”، و”أرض الخراب”، والمخرج مهند حيال وفيلم “شارع حيفا” الحائز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان بوسان السينمائي الدولي، والمخرج حيدر عرفان رشيد الذي عرض فيلمه الروائي الخامس “أوروبا”، ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، بعد أن كان قد عرض عالميًا في الدورة الرابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، والمخرج قاسم عبد مع أفلام عدة أشهرها “حياة ما بعد السقوط”، والمخرج رعد مشتت مع فيلمه “صمت الراعي” الحائز على جائزتي أفضل مخرج، وجائزة لجنة التحكيم في “مهرجان عين لندن” للسينما العالمية، والمخرج مهند حيال مع فيلمه الروائي “شارع حيفا” الحائز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان بوسان السينمائي الدولي، وجائزتي أفضل فيلم عربي، وأفضل أداء تمثيلي من مهرجان القاهرة السينمائي، وكذلك فيلمه القصير “عيد ميلاد”، والمخرج حيدر عرفان رشيد وفيلم “أوروبا” ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، والمخرجة ميسون الباجه جي التي فاز فيلمها “نهرنا… سماؤنا” بجائزة الفيلم المسكوني لعام 2023 في ألمانيا، والمخرج علي كامل وفيلمه الوثائقي “ظلال الذاكرة”، والمخرج عباس فاضل مع فيلم “يارا”، والمخرج علي هاشم حسين في فيلمه الروائي الوثائقي “روح السينما”، والمخرج علي عساف وفيلمه “أنا هي… أنا هو”، والمخرج جمال أمين مع فيلمه “فايروس”، والمخرج فاروق داود مع فيلمه “ذاكرة وجذور”.


قالوا في الفيلم
يقول الناقد السينمائي علي حمود الحسن إن الفوز في حدّ ذاته يعد دعمًا لسينما لم تجد بوصلتها بعد.وأضاف أن الفيلم سبق أن فاز بجائزة النسر الذهبي في مهرجان البحر الأحمر في عام 2022، وشارك في مهرجان فينيسيا السينمائي بدورته الـ79، وقصته تناقش الأحداث التي وقعت في العراق بعد عام 2003، وما صاحبها من احتلال ومقاومة وعصف في يوميات الأسرة العراقية، معتمدًا أسلوبًا جمع بين الواقع والفانتازيا، من خلال قصّة نبّاشي نفايات يعملون في جمع المواد البلاستيكية والعلب الفارغة، وبيعها إلى متعهّدي معامل التدوير، يعثر صبي على لعبة من السيليكون بحجم كبير في موقع أميركي لمكبّ النفايات يحتفظ بها لتبدأ المشاكل والصراع بين الصبي، وبين تاجر القمامة، مشيرًا إلى أن الدمية تنفتح على أكثر من تأويلٍ رمزي، فالطفل الصغير يتصورها أمه وآخرون اهتموا بها إيروسيًا.
ويقول الكاتب والفنان محسن عواد: إن اختيار عنوان الفيلم “جنائن معلقة” جاء تهكّميًا فاضحًا لما آل إليه وضع العراق، حيث يتحوّل اسم الجنائن التي بناها نبوخذ نصر لحبيبته الفارسية، وأصبحت من عجائب الدنيا السبع، إلى أكوام القمامة الهائلة عند قاعدة أميركية مهجورة، وهو ما يرمز إلى التردّي الفاضح لوضع العراق، ويحمل رمزيةً غاية في العمق والجمال.
ويقول المخرج والممثل السينمائي المقيم في السويد باسم صباح الباسم: إن الفيلم امتاز بطرحٍ جريء تجاوز فيه كثيرًا من الحدود، وتابوات الجنس والدين والسياسة، التي قد تكون مناطق ملغومة بالاعتراض والتأويل الخاطئ التي قد توصله إلى تفسيراتٍ بعيدةً عن الرسالة الاجتماعية للعائلة، من خلال خوضه لمناطق شائكةٍ، منها سطوة المتديّنين كذبًا. ولفت إلى أن اختيار عنوان الفيلم “جنائن معلقة” جاء بطريقةٍ تهكمية تقابلها أكوام القمامة الهائلة عند قاعدة أميركية مهجورة، ويقصد بها التردّي الفاضح لوضع العراق، لكن بصورةٍ  تخلو من الجمال. وأعرب عن تمنيه لو أن الفيلم يمثل السينما العراقية بطريقةٍ أقلّ قسوةٍ، وكان على المخرج النظر إلى العراق بطريقةٍ أقل تشنجًا لكي تعود للسينما العراقية إلى بهائها.



#الجنائن #المعلقة #تداعيات #الغزو #الأميركي #للعراق
مصدر المقال الاصلي من موقع
diffah.alaraby.co.uk

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى