هل تعلم

الزراعة العمودية.. رحلة من الأسطورة إلى الإمارات ومصر


يُقال إنّ «نبوخذ نصر الثاني»، ملك بابلي عاش بين عامي (562 – 605) قبل الميلاد، لاحظ حنين زوجته «آميتس»، إلى الحدائق والنباتات،

التي كانت تغطي الجبال في موطنها الأصلي «ماداي» الواقع في شمال غرب إيران حاليًا.

فما كان من الزوج إلا أن بحث عن طريقة فعّالة يمكنه من خلالها تعويض زوجته المخلصة عن وطنها، لكن الأمر ليس بهذه السهولة؛ فقد كانوا يعيشون في منطقة صحراوية، تصعب الزراعة فيها.

بالإضافة إلى أنّ طريقة الزراعة لإنبات مزروعات في شكل عمودي تحتاج إلى عبقرية هندسية في نظام الري لرفع المياه، وبالفعل كلف مهندسيه لفعل ذلك، وكُللت النتيجة بواحدة من عجائب الدنيا السبع «حدائق بابل المعلقة». وهي تُعد أول محاولة للزراعة العمودية مذكورة في التاريخ أو بالأحرى في الأساطير القديمة. وهذه قصتنا اليوم.

يرى الدكتور «محمد فتوح»، أستاذ في قسم البساتين كلية الزراعة جامعة طنطا أنّ الأنظمة المستخدمة في الزراعة العمودية، بمثابة تكملة لحدائق بابل المعلقة، ويقول لـ”العين الإخبارية عبر الهاتف: “لم يكن الهدف منها في البداية هو زراعة المحاصيل الغذائية، وإنما تزيين القصور والمباني المرتفعة”. لكن بعد ذلك، لم يقتصر دورها على الترفيه، بدأت حاجة الإنسان للزراعة العمودية تزداد يومًا بعد يوم؛ فعمل على تطويرها عبر مختلف العصور، وبدأت تظهر صور مختلفة للزراعة العمودية، خاصة مع تطور علم الزراعة بدون تربة «الهيدروبونيك» (Hydroponic).

من ترفيه إلى حاجة

تواجه بعض البلاد مشكلات في الزراعة إما لعدم توافر كميات مناسبة من المياه أو عدم قابلية التربة للزراعة أو لظروف المناخ المحيطة، ما جعل الزراعة العمودية تنتقل من حيز الترفيه إلى وسيلة لسد الحاجة الغذائية لسكان المنطقة، وبالفعل بدأت العديد من الدول حول العالم في إنتاجها، وهناك دول تهبط فيها الثلوج وتنخفض درجات حرارتها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وتايوان وغيرهم. ويشير فتوح إلى أنّ هذه الدول تلجأ لهذا النوع من الزراعة؛ لأنها مضطرة نتيجة درجات الحرارة المتطرفة.

بعيدا عن الصفوف التقليدية

تعد الزراعة العمودية نوعًا من «الزراعة الخاضعة للرقابة» (Controlled-environment agriculture)، وهي محددة بنطاقات معينة، يمكن التحكم في ظروفها المحيطة من درجات الحرارة ونسبة المغذيات والضوء والرطوبة وكميات الماء وما إلى ذلك. ويمكننا عبر الزراعة العمودية إنتاج كميات كبيرة ومتنوعة من المزروعات فوق بعضها بدلًا من الصفوف التقليدية عبر مساحات شاسعة، وبالتالي زيادة الإنتاجية لكل قدم مربع من الأرض.

وعن طريق التحكم في الظروف المحيطة بالنبات، يمكن وضع نظام لتحديد الموسم الزراعي الاصطناعي. تخيل أن تزرع محصولًا يعادل 700 فدان في مكان بحجم السوبر ماركت كبير. وفي هذا الصدد، يقول فتوح: “هذا النوع من الزراعة يكون على هياكل مرتفعة جدًا، ما يزيد إنتاجية المتر المربع الواحد من مساحة الأرض المزروعة رأسيًا عشرات الأضعاف”. مذهل، أليس كذلك؟

ربما يحتاج العالم هذا فعلًا، ولكن!

حسنًا، ربما يبدو هذا مفيد لما هو قادم عليه العالم، فمن المتوقع أن يزداد عدد سكان الأرض إلى 9.7 مليار نسمة بحلول 2050، وسيعيش 70% منهم في المناطق الحضرية، ما يجعل الزراعة العمودية مقترحًا مناسبًا للحصول على الغذاء، وتقليل الانبعاثات، خاصة وأنّ الزراعة مسؤولة عن 18.4% من إجمالي الغازات الدفيئة، وفقًا لـ(Our World in Data).

ووفقًا لـ(CCAFS)، ستنخفض إنتاجية 3 من أكثر المحاصيل الغذائية استهلاكًا في الدول النامية، وهم: الذرة والقمح والأرز؛ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. كل هذا يهدد الأمن الغذائي. بالإضافة إلى أنّ الزراعة العمودية تساهم في الحد من استهلاك كميات فائضة من المياه؛ إذ تستهلك الماء المحدد لها بنسبة 100%، إذ تُدار المياه في حلقة مغلقة؛ فيستفيد منها النبات كلها. لكن مهلًا، الأمر ليس بهذه السهولة. هناك اعتبارات كثيرة يجب أخذها في الحسبان. قبل ذلك، ينبغي التعرف على آلية عمل الزراعة العمودية.

ماذا يحدث داخل مصانع الزراعة العمودية؟

يشرح الدكتور محمد فتوح قائلًا لـ”العين الإخبارية: “من اسمها، الزراعة العمودية، تُزرع بشكل عمودي على حائط أو هياكل للأعلى، وتعتمد على نوع من الزراعة تُسمى «الهيدروبونيك»، وهي الزراعة في المياه أو بدون تربة، وتتعدد أنواعها، وكل هذه الأنواع تتفق في عدم استخدام التربة العادية في الزراعة، وفكرتهم هي توصيل المحلول الغذائي لجذر النبات الذي ينمو فيه”.

ويتابع: دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي دبي، قد نجد مبانٍ مغطاة بالأعشاب، وهو شكل من أشكال الزراعة العمودية، كل ما في الأمر أنهم أحضروا وحدات تُثبت على الحائط، وتصعد المياه عبر خراطيم، محملة بالغذاء؛ فتنمو الأعشاب”.

ويشير إلى الوحدات قد تكون ثابتة أو تتحرك وهي حاملة النبات، بغرض الوصول إلى الضوء إذا لم يكن موزعًا بانتظام داخل المصنع، ويصف فتوح تلك المصانع بأنها عبارة عن صوبات ضخمة، بارتفاع يتراوح بين 10 إلى 15 مترًا، مغلقة ومعزولة عن العالم الخارجي تمامًا، والنباتات مزروعة في شكل وحدات، تتحرك المياه محملة بالمواد الغذائية عبر صوف صخري.

ما مدى احتياجنا للزراعة العمودية في مصر؟

يقول الدكتور «محمد فتوح» لـ”العين الإخبارية: “غالبًا ما تُستخدم الزراعة العمودية في الدول التي لا تمتلك أرضًا صالحة للزراعة أو مناخها غير ملائم”، ويُضيف: “كل شيء مفيد وفقًا لاحتياجه”.

يشير فتوح إلى أنّ استخدامات الزراعة العمودية في مصر محدودة في الديكورات الداخلية التي تستخدم نباتات الزينة. أما في دولة الإمارات فالوضع مختلف، لظروف المناخ.

ويتابع: “هناك في دولة الإمارات يوجد مصنع لإنتاج محصول الطماطم بنظام الزراعة العمودية، ويُطلق عليه مصنع وليست صوبة، وهو معزول تمامًا عن المناخ الخارجي، وكل شيء فيه يعمل بنظام تلقائي، ومدعم بتكييفات”.

وعند المقارنة بوضع مصر، يوضح الدكتور محمد فتوح أننا نستطيع زراعة محصول الطماطم في كل شبر في مصر، وفي كثير من الأحيان، تُباع بثمن رخيص أو بدون نقود؛ لكثرتها؛ لأنّ تربة وبيئة مصر تصلح للزراعة.

هل الزراعة العمودية مناسبة في مصر؟

تُشير دراسة منشورة في «نايل جورنال أوف كومينيكاشن آند كمبيوتر ساينس» إلى أنّ الزراعة العمودية تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة وعمالة خاصة، ما يعني أنها مرتفعة التكلفة، وهذا ما أكده الدكتور محمد فتوح لـ”العين الإخبارية”. ويقول: “في رأيي الشخصي، الزراعة العمودية ليست ضرورة ملحة”. ثم يتابع: “أما عن مشكلة الأمن الغذائي؛ فيجب الإشارة إلى أنّ الزراعة العمودية لا تصلح إلا لزراعة أصناف محددة من النباتات”، أي أنها ليست كافية بهذا القدر.

ويشير فتوح إلى أنه إذا لم تكن هناك ضرورة لاستخدام هذا النوع من الزراعة؛ فالأفضل الاستمرار في الزراعة التقليدية، إذ أنها مميزة في نواحٍ اقتصادية واجتماعية. وأوضح أنّ الزراعة العمودية تحتاج إلى تكنولوجيا وأجهزة، والجانب البشري فيها قليل، وإذا حصل واعتمد عليها العالم بشكل كبير؛ فهذا يعني أنّ نسبة البطالة سترتفع، لذلك يجب عمل دراسة جدوى اقتصادية قبل الشروع في مشروع كهذا؛ فهناك العديد من الاعتبارات. ويؤكد على أنّ طرق الزراعة غير التقليدية لا نلجأ لها إلا في ظروف استثنائية.

#الزراعة #العمودية #رحلة #من #الأسطورة #إلى #الإمارات #ومصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى