الصحة العامة

خطاب النصر.. السادات يتحدث عن درع الوطن وسيفه بعد نصر أكتوبر (الذكرى 49)

«إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح له درع وسيف، عاهدت الله وعاهدتكم على أن نثبت للعالم أن نكسة 1967، كانت استثناء فى تاريخنا وليست قاعدة»، كلمات من نص خطاب النصر الذى ألقاه الزعيم الراحل محمد أنور السادات، فى مجلس النواب، عقب نصر أكتوبر 1973.

«خطاب النصر»، من بين أشهر الخطابات التى يتذكرها المصريون، الذين انتظروا النصر على أحر من الجمر، لمحو آثار هزيمة مدوية، فى 67، ورد كرامة سرقها منهم محتل غاشم، لا يرقب فى مؤمن إلا ولا ذمة، شرح فيه الزعيم الراحل، كيف أنهت العسكرية المصرية، أكذوبة «الجيش الذى لا يهزم» واستردت الأرض والعرض، وأنهت احتلال شبه جزيرة سيناء، وكسرت أنف وهيبة العدو، وأذاقته مرارة الهزيمة.

 

وقف الرئيس الراحل أنور السادات، أمام نواب الشعب تحت قبة البرلمان، يلقى خطاب النصر والفخر والمصارحة، لنحو 10 دقائق، نزلت كلماته تثلج صدور المصريين، وتكوى قلوب الأعداء، وسط تصفيق حار من نواب الشعب، ملأ أروقة المجلس.

وفى التقرير التالى، يعيد «مبتدا» أبرز ما جاء فى خطاب النصر، بمناسبة الذكرى 49 لانتصارات أكتوبر المجيدة:

يعتذر الرئيس الراحل للنواب والشعب، عن تأخره فى لقائهم، معللا ذلك بمشاغله الكثيرة، التى قدروها بلا شك، يحدثهم عن الحرب والسلام، يقول «بسم الله، أيها الإخوة والأخوات، كان بودى أن أجيء إليكم قبل الآن، ألتقى بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا، لكن مشاغلى كانت كما تعلمون وكما تدرون، وأثق أنكم تقدرون، ومهما يكن فلقد أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معا فيما أخذت على مسؤوليتى تعبيرا عن إرادة أمة، وتعبيرا عن مصير شعب، مناسبا أن أجىء إليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجرى على أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر القضايا الإنسانية، وهى قضية الحرب والسلام، ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطنى والقومى ظاهرة محلية أو إقليمية لأن المنطقة التى نعيش فيها بدورها الاستراتيجى والحضارى فى القلب من العالم وفى الصميم من حركته ولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية فإننى أريد أن أدخل مباشرة فيها أريد أن أتحدث معكم وسوف أركز على نقطتين: الحرب والسلام».

 

مضى السادات متحدثا عن وفائه بتعهده قبل 3 سنوات من الحرب، بكسر شوكة الاحتلال، وإنهاء قبضته على سيناء، ورده كرمة المصريين، متحدثا عن الحرب التى استمرت 11 يوما، كانت الأخطر والأعظم والأمجد فى تاريخ الدولة المصرية، ملحمة كفاح أداها أبطالنا من القوات المسلحة فى نصر أكتوبر 73، يضيف: «أولا: الحرب.. لست أظنكم تتوقعون منى أن أقف أمامكم لكى نتفاخر معا ونتباهى بما حققناه فى أحد عشر يوما من أهم وأخطر بل وأعظم وأمجد أيام تاريخنا، وربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكى نتفاخر ونتباهى ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله، نعم سوف يجىء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة فى فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء، ذلك كله سوف يجىء وقته وأظنكم توافقوننى على أن لدينا من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا، وإذا جاز لى أن أتوقف قليلا وأنا أعلم أننى أتوق شوقا إلى سماع الكثير فإننى أقول ما يلى: أولا: فيما يتعلق بنفسى فقد حاولت أن أفى بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه».

واصل الزعيم الراحل حديثه عن كيف أوصل الأمة -بفضل الله وفضل جنودنا البواسل وقدتنا العظام- إلى أن تكون قادرة على دفع إرادتها إلى مستوى أمانيها، يتابع: «حاولت أن أفى بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه قبل 3 سنوات بالضبط من هذا اليوم، عاهدت الله وعاهدتكم أن قضية تحرير التراب الوطنى والقومى هى التكليف الأول الذى حملته ولاء لشعبنا وللأمة، عاهدت الله وعاهدتكم على أن لن أدخر جهدا ولن أتردد دون تضحية مهما كلفنى فى سبيل أن تصل الأمة إلى وضع تكون فيه قادرة على دفع إرادتها إلى مستوى أمانيها، ذلك أن اعتقادنا دائما كان ولا يزال أن التمنى بلا إرادة نوع من أحلام اليقظة يرفض حبى وولائى لهذا الوطن أن تقع فى سرابه أو فى ضبابه».

لم يكتف الرئيس السادات بهذا، بل ذكر فى خطابه كيف أثبتت مصر بقواتها المسلحة وشجاعة قادتها، أن نكسة 67 كانت استثناء فى تاريخ دولة صاحبة 7 آلاف سنة حضارة، يواصل: «عاهدت الله وعاهدتكم على أن نثبت للعالم أن نكسة 1967 كانت استثناء فى تاريخنا وليست قاعدة، وقد كنت فى هذا أصر عن إيمان بأن التاريخ يستوعب (7000) سنة من الحضارة ويستشرف آفاقا أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنا لا يعلو عنها وللوصول إليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمى، عاهدت الله وعاهدتكم على أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلى جيل سوف يجىء بعده منكسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء، لكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية فى السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة، عاهدت الله وعاهدتكم على ألا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة ولا أتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ، وكانت الحسابات مضنية والمسؤولية فادحة، لكننى أدركت كما قلت لكم وللأمة مرارا وتكرارا أن ذلك قدرى، وأنى حملته على كتفى، عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصا أن أفى بالوعد ملتمسا عون الله وطالبا ثقتكم وثقة الأمة، وإنى لأحمد الله».

 

ركز خطاب القائد والأب والإنسان، على الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة، وكيف وضع السادات، ذلك نصب عينيه من أول يوم تولى فيه مسؤولية إدارة شؤون البلاد، وكيف احتفظ الشعب بإيمان غير محدود، يوضح: «ثانيا: لقد كان كل شيئا منوطا بإرادة هذه الأمة، حجم هذه الإرادة وعمق هذه الإرادة، وما كنا نستطيع شيئا، وما كان أحد ليستطيع شيئا لو لم يكن هذا الشعب، ولو لم تكن هذه الأمة، لقد كان الليل طويلا وثقيلا ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبدا بطلوع الفجر وإنى لأقول بغير ادعاء إن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة أن نكستها لم تكن سقوطا، وإنما كانت كبوة عارضة وأن حركتها لم تكن فورانا وإنما كانت ارتفاعا شاهقا لقد أعطى شعبنا جهدا غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محددة وأظهر شعبنا وعيا غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعى، فإن الشعب احتفظ بإيمان غير محدود، وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة، ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسؤوليتى وقبلت راضيا بما شاء الله أن يضعه على كاهلى، كنت أعرف أن إيمان الشعب هو القاعدة، وإذا كانت القاعدة، سليمة فإن كل ما ضاع يمكن تعويضه، وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الانطلاق إليه مرة أخرى».

وتحدث عن تعامله وضباطه وجنوده، مع الحرب النفسية، التى وجهت لهم لتقبل الهزيمة والذل والخنوع، وكيف تعاملوا معها على أنها زوبعة فنجان، يسرد: «وبرغم ظواهر عديدة بعضها طبيعى وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا، فقد كان سؤالى لنفسى ولغيرى فى كل يوم يمر: هل القاعدة سليمة؟ وكنت واثقا أنه ليس فى قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها أن تمس صلابة هذه القاعدة، ومادامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير، وغير ذلك لن يكون إلا زوبعة فى فنجان كما يقولون، لست أنكر إننا وجهنا بمصاعب جمة، مصاعب حقيقية مصاعب فى الخدمات، مصاعب فى التموين مصاعب فى الإنتاج، مصاعب فى العمل السياسى أيضا. وكنت أعرف الحقيقة، ولكننى لم أكن فى موقف يسمح لى بشرحها كنت أعرف إننا نحاول نجعل الحياة مقبولة للناس وفى نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر وكنت واثقا إنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيرى كما كانت ظاهرة لى، وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون وأحمد الله».

تمزق فى ضمير الأمة العربية كلها، كان محور اهتمام الرئيس فى خطابه، وحدد العلاج الأمثل لذلك الداء، بقوله:« ثالثا: لقد كانت هناك إشارة واضحة إلى وجود تمزق فى ضمير الأمة العربية كلها، وكنت أرى ذلك طبيعيا لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارة النكسة، كان هناك من يسألوننى ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه امتحانها الرهيب وهى على هذه الحالة من التمزق فى ضميرها. كنت أقول أن هذا التمزق فضلا عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضا بين الواقع والأمل وليس فى ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد أنه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدى ولم أكن فى نفس الأوقات على استعداد للدخول فى مناقشات عقيمة، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدى»؟

 

تفاخر الرئيس السادات، بتاريخ العسكرية المصرية الحافل بالكثير والكثير من الانتصارات على الأعداء، وهو ما رجح كفتها فى نصر أكتوبر، يشير: «إن سجل هذه القوات كان باهرا، لكن أعداءنا الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزا مخيفا لأنها أرادت أن تشكك الأمة فى درعها وفى سيفها، ولم يكن يخامرنا الشك فى أن هذه القوات المسلحة، كانت من ضحايا نكسة سنة 1967 ولم تكن أبدا من أسبابها. كان فى استطاعة هذه القوات سنة 1967 أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التى تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية فى ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التى حذر منها عبد الناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قرارا بالانسحاب العام من سيناء بدون علم عبد الناصر».

الفرصة لم تكن سانحة للقوات المسلحة لتخوض حربا فى نكسة 67 بحسب السادات، ولم تهزم من العدو ولكن من الظروف التى أرهقتها، ولكنها حققت معجزة على أعلى مقياس عسكرى، يرى: «إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام 1967 أن هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعا عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التى لم تعطها الفرصة لتقاتل، إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكرى، ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر فى عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسؤولية استكمال البناء ومسؤولية القيادة العليا لها أن القوات المسلحة قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكرى استوعبت العصر كله تدريبا وسلاحا بل وعلما واقتدارا حين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو وان تكبح جماح غروره فإنها أثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت فى يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققت مفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا أمام عملية يوم 6 أكتوبر 1973».

التاريخ العسكرى توقف طويلا أمام نصر أكتوبر، قولا وفعلا كما قال السادات فى خطابه، فلم يتجاوز فى وصفة لذلك، فما حدث بالفعل معجزة بكل المقاييس، لم تحدث من قبل فى أعتى الحروب (نصر فى 6 ساعات)، يلفت السادات: «لست أتجاوز إذا قلت أن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة، بعد أن أفقدت العدو توازنه لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة 6 أكتوبر خلال الساعات الست الأولى، من حربنا كانت هائلة فقد العدو توازنه إلى هذه اللحظة وإذا كنا نقول ذلك اعتزازا وبعض الاعتزاز إيمان فان الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وبإسم هذا الشعب وبإسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة فى قواتنا المسلحة ثقتنا فى قياداتها التى خططت وثقتنا فى شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم».

ثقة الرئيس فى القوات المسحلة، كانت فى محلها، وهو ما ذكره السادات فى خطابه، يروى: «كانت ثقتنا فى إيمان هذه القوات المسلحة فى قدرتها على استيعاب هذا السلاح أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح درع وسيف أريد من هنا أن أشد انتباه حضراتكم معى إلى الجبهة الشمالية حيث يحارب الجيش السورى العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد وأريد أن أقول لإخوتنا فى الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتم الأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين».

وفيما يلى أبرز ما جاء فى خطاب النصر للرئيس السادات، تحت قبة البرلمان:

إنكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال ولم يكن فى مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التى تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها، لقد كنا من طلائع المعركة، تحملنا ضراوتها ودفعنا معا أفدح تكاليفها من دمائنا ومن مواردنا، ولسوف نواصل القتال، ولسوف نتحدى الخطر، ولسوف نواصل مع إخوة لنا، تنادوا إلى الساحة صادقين مخلصين سوف نواصل جميعا دفع ضريبة العرق والدم حتى نصل إلى هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها فى هذه المرحلة الخطيرة من مراحله المتصلة المستمرة أيها الإخوة والأخوات كل ذلك عن الحرب والآن ماذا عن السلام؟
عندما نتحدث عن السلام فلابد لنا أن نتذكر ولا ننسى كما لابد لغيرنا ألا يتناسى حقيقية الأسباب التى من أجلها كانت حربنا وقد تأذنون لى أن أضع بعض هذه الأسباب محددة قاطعة أمام حضراتكم.

 

أولا: إننا حاربنا من أجل السلام 00 حاربنا من أجل السلام الوحيد الذى يستحق وصف السلام، وهو السلام القائم على العدل، إن عدونا يتحدث أحيانا عن السلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل، إن دافيد بن جوريون هو الذى صاغ لإسرائيل نظرية فرض السلام والسلام لا يفرض والحديث عن فرض السلام معناه التهديد بشن الحرب أو شنها فعلا والخطأ الكبير الذى وقع فى عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن ولقد أثبت عمليا اليوم وفى ميدان القتال عقم هذه النظرية السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم، السلام بالعدل وحده، والسلام ليس بالإرهاب مهما أمعن فى الطغيان ومهما زين له غرور القوة أو حماقة القوة ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادى فيها عدونا ليس فقط خلال السنوات الست الأخيرة بل خلال السنوات الخمس والعشرين، أى منذ قامت الدولة الصهيونية باغتصاب فلسطين.

ولقد نسأل قادة إسرائيل اليوم: أين ذهبت نظرية الأمن الإسرائيلى التى حاولوا إقامتها بالعنف تارة وبالجبروت تارة أخرى، طوال خمس وعشرين سنة؟ لقد انكسرت وتحطمت، قوتنا العسكرية تتحدى اليوم قوتهم العسكرية وها هم فى حرب طويلة ممتدة وهم أمام استنزاف نستطيع نحن أن نتحمله بأكثر وأوفر مما يستطيعون وها هم عمقهم معرض إذا تصوروا أن فى استطاعتهم تخويفنا بتهديد العمق العربى وربما أضيف كى يسمعوا فى إسرائيل أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون أن صواريخنا المصرية العربية عابرة سيناء من طراز ظافر موجودة الآن على قواعدها، مستعدة للانطلاق بإشارة واحدة إلى الأعماق فى إسرائيل ولقد كان فى وسعنا منذ الدقيقة الأولى للمعركة أن نعطى الإشارة ونصدر الأمر خصوصا وأن الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم بأكثر مما يقدرون على تحمل تبعاته لكننا ندرك مسئولية استعمال أنواع معينة من السلاح ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها، وإن كان عليهم أن يتذكروا ما قلته يوما ومازلت أقوله العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق.

ثانيا: إننا لم نحارب لكى نعتدى على أرض غيرنا وإنما حاربنا ونحارب وسوف نواصل الحرب لهدفين اثنين الأول: استعادة أراضينا المحتلة بعد سنة 1967 الثانى: إيجاد السبل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، هذه هى أهدافنا من قبول مخاطر القتال ولقد قبلناها ردا على استفزازات لا تحتمل ولا تطاق ولم نكن البادئين إنما كنا فيها ندافع عن أنفسنا وعن حرياتنا وعن حقنا فى الحرية والحياة إن حربنا لم تكن من أجل العدوان ولكن ضد العدوان ولم نكن فى حربنا خارجين على القيم ولا القوانين التى ارتضاها مجتمع الدول لنفسه وسجلها فى ميثاق الأمم المتحدة الذى كتبته الشعوب الحرة بدمائها بعد انتصارها على الفاشية والنازية بل لعلنا نقول إن حربنا هى استمرار للحرب الإنسانية ضد الفاشية والنازية، ذلك لأن الصهيونية بدعواها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليس إلا تكرارا هزيلا للفاشية والنازية يثير الازدراء ولا يثير الخوف ويبعث على الاحتقار أكثر مما يبعث على الكراهية إننا فى حربنا كنا نتصرف وفق نص روح وميثاق الأمم المتحدة وليس مجافاة للروح ولا للنص وإلى جانب الميثاق نفسه فقد كنا نتصرف تقديرا واحتراما لقرارات المنظمة الدولية سواء على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو على مستوى مجلس الأمن.

 

أيها الإخوة والأخوات لقد شهد العالم كله لنا بالحق وأشاد بشجاعتنا دفاعا عن هذا الحق أدرك العالم إننا لسنا البادئين بالعدوان ولكننا المبادرون بواجب الدفاع عن النفس، لسنا ضد قيم وقوانين مجتمع الدول ولكننا مع قيم وقوانين مجتمع الدول لسنا مغامرى حرب وإنما نحن طلاب سلام أدرك العالم ذلك كله وكان يتعاطف من قبل ذلك مع قضيتنا واليوم زاد على تعاطفه معنا إحترامه لتصميمنا على الدفاع عن هذه القضية ولقد كنا نطمئن بعطف العالم ونحن الآن نعتز باحترامه.

وأقول لكم بصدق وأمانة إننى أفضل احترام العالم ولو بغير عطف على عطف العالم إذا كان بغير احترام وأحمد الله أيها الإخوة والأخوات إن دولة واحدة اختلفت مع العالم كله ولم تختلف معنا فقط إنما مع العالم كله كما قلت، وهذه الدولة هى الولايات المتحدة لقد فوجئت كما تدعى بأننا حاولنا رد العدوان ولسنا نفهم كيف ولماذا فوجئت هذه الدولة، لم تكتف كما تقول بأنها فوجئت وإنما أفاقت من المفاجأة دون أن تعود إلى الصواب، ومن المؤسف والمحزن أن يكون هذا موقف واحدة من القوى الأعظم فى هذا العصر لقد كنا نتوقع أو ربما نتمنى ضد الشواهد والتجارب كلها أن تفيق الولايات المتحدة الأمريكية من المفاجأة إلى الصواب لكن ذلك لم يحدث ورأينا الولايات المتحدة تخرج من المفاجأة إلى المناورة والعودة إلى خطوط ما قبل 6 أكتوبر وكان يمكن أن نغضب من هذا المنطق المعكوس ولكننا لم نغضب لأننا نثق فى أنفسنا من ناحية.

ومن ناحية أخرى لأننا بالفعل نريد أن نساهم فى سلام العالم إن العالم يدخل فى عصر من الوفاق بين القوتين الأعظم ونحن لا نعارض سياسة الوفاق، كان لنا تحفظ واحد عليها ومازال تحفظنا قائما، إذا كنا نريد أن يدخل العالم بعد استحالة الحرب العالمية إلى عصر من السلام فإن السلام ليس معنى مجردا أو مطلقا السلام له معنى واحد هو أن تشعر كل شعوب الأرض إنه سلام لها وليس سلاما مفروضا عليها وانى لأقول أمام حضراتكم وعلى مسمع من العالم: نحن نريد أن تنجح وأن تتدعم سياسة الوفاق ونحن على استعداد للمساهمة فى إنجاحها وتدعيمها إن أى نسيان لهذه الحقيقة البديهية ليس تجاهلا فحسب وإنما هو إهانة لا نرتضيها لأنفسنا ولا للعالم الذى يعرف أهمية وقيمة المنطقة التى نعيش فيها وعليه أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة على أن تمنح وأن تمنع.

أيها الإخوة والأخوات إن الولايات المتحدة بعد المناورة التى رفضنا مجرد مناقشتها خصوصا بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت إلى سياسة لا نستطيع أن نسكت عليها 00 لا نستطيع أن نسكت عليها أو تسكت عليها أمتنا العربية 00 ذلك إنها أقامت جسرا سريعا تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل لم يكف الولايات المتحدة أن سلاحها هو الذى مكن إسرائيل من تعطيل كل محاولات الحل السلمى لأزمة الشرق الأوسط فإذا هى الآن تتورط فيما هو أفدح، فيما هو اخطر فى عواقبه بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحاول إزاحة كابوسه عن أراضينا المحتلة إذ هى تسارع إلى العدوان تعوضه عما خسره وتزوده بما لم يكن لديه إن الولايات المتحدة تقيم جسرا بحريا وجويا تتدفق منه على إسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة وصواريخ جديدة واليكترونيات جديدة ونحن نقول لهم إن هذا لن يخيفنا ولكن عليكم وعلينا قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللا عودة أن نفهم إلى أين وإلى متى وأين ونحن خريطة الشرق الأوسط وليست إسرائيل، إلى أين ومصالحكم كلها عندنا وليست فى إسرائيل؟ إلى اين والى متى؟

 

أيها الإخوة والأخوات لقد فكرت فى أن أبعث إلى الرئيس ريتشارد نيكسون بخطاب أحدد فيه موقفنا بوضوح ولكننى ترددت خشية إساءة التفسير ولذلك قررت أن استعيض عن ذلك بتوحيد رسالة مفتوحة إليه من هنا، رسالة لا يمليها القول ولكن تمليها الثقة، رسالة لا تصدر عن ضعف ولكن تصدر عن رغبة حقيقية فى صون السلام ودعم الوفاق، أريد أن أقول إنه بوضوح إن مطلبنا فى الحرب معروف لا حاجة بنا لإعادة شرحه، وإذا كنتم تريدون معارضة مطلبنا فى السلام فإليكم مشروعنا للسلام.

أولا: إننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أرضنا التى أمسك بها الاحتلال الإسرائيلى سنة 67 ولإيجاد السبيل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، ونحن فى هذا نقبل التزامنا بقرارات الأمم المتحدة فى الجمعية العامة ومجلس الأمن.

ثانيا: إننا على استعداد لقبول وقف إطلاق النار على أساس انسحاب القوات الإسرائيلية عن كل الأراضى المحتلة فورا وتحت إشراف دولى إلى خطوط ما قبل 5 يونيو 1967.

ثالثا: إننا على استعداد فور إتمام الانسحاب من كل هذه الأراضى أن نحضر مؤتمر سلام دولى فى الأمم المتحدة سوف أحاول جهدى أن اقنع به رفاقى من القادة العرب المسئولين مباشرة عن إدارة الصراع مع العدو كما إننى سوف أحاول جهدى أن أقنع به ممثلى الشعب الفلسطينى وذلك لكى يشارك معنا ومع مجتمع الدول فى وضع قواعد وضوابط السلام فى المنطقة يقوم على احترام الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة.

رابعا: إننا على استعداد فى هذه الساعة من هذه الدقيقة أن نبدأ فى تطهير قناة السويس وفتحها أمام الملاحة الدولية لكى تعود أداء دورها فى رخاء العالم وازدهاره ولقد أصدرت الأمر بالفعل إلى رئيس هيئة قناة السويس بالبدء فى هذه العملية غداة إتمام تحرير الضفة الشرقية للقناة وقد بدأت بالفعل مقدمات للاستعداد لهذه المهمة.

خامسا: إننا لسنا على استعداد فى هذا كله لقبول وعود بمهمة أو بمبادرات مضللة تقبل كل تفسير وكل تأويل وتستنزف الوقت مما لا جدوى منه وتعيد قضيتنا إلى جمودها لم نعد نقبل به مهما كانت الأسباب لدى الغير أو تضحيات بالنسبة لنا، ما نريده الآن هو الوضوح، الوضوح فى الغايات والوضوح فى الوسائل.

أيها الإخوة والأخوات لقد قلنا كلمتنا وأدعو الله مخلصا أن يفهمها الجميع فى إطارها الصحيح وأن يضعوها على الخط المستقيم وأن يحسنوا تقدير الأمور إن هذه المسألة تتطلب شجاعة الرجال وعقل الرجال ومن جانبنا فإننا نواجه هذه الساعات بخضوع الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع أمتهم ومع إنسانيتهم هذه ساعات تدور فيها معارك أكبر مما دار من أسلحة تقليدية حتى فى حروب العمالقة، هذه ساحات تتقرر فيها مصائر وتتحدد فيها علاقات سوف تفرض نفسها على المستقبل وهى تؤكد نفسها فى الحاضر هذه ساعات يتقدم فيها أبطال، وهذه ساعات يسقط بل يرتفع فيها شهداء هذه ساعات حافلة بمشاعر متباينة تمتزج فيها صيحة الفرح بمشاعر عميقة أخرى ذلك إننا كنا ولازلنا نريد الحق ولا نريد الحرب لكننا كنا ولا نزال نريد الحق حتى إذا فرضت علينا الحرب وحين كانت نشوة الانتصار تملأ كل القلوب فإننى كنت فيما بينى وبين ربى أعرف مدى العناء الإنسانى الذى ندفعه فى سبيل النصر ولقد كنت أتتبع أنباء انتصارنا فى خشوع لأننى أعرف الحرب.

 

ولقد كان أعز القائلين هو الذى علمنا “كتب عليكم القتال وهو كره لكم”، أيها الإخوة والأخوات هذه ساعات نعرف فيها أنفسنا ونعرف فيها الأصدقاء ونعرف فيها الأعداء، ولقد عرفنا أنفسنا ولقد عرفنا أصدقائنا وكانوا بأصدق وأخلص ما نطلب من الأصدقاء ولقد كنا نعرف عدونا دائما ولسنا نريد أن نزيد من أعداءنا بل إننا لنوجه الكلمة بعد الكلم والتنبيه بعد التنبيه، والتحذير بعد التحذير لكى نعطى للجميع فرصة يراجعون ولعلهم يتراجعون لكننا بعون الله قادرون بعد الكلمة وبعد التنبيه وبعد التحذير أن نوجه الضربة بعد الضربة ولسوف نعرف متى وأين وكيف إذا أرادوا التصاعد فيما يفعلون، الأمة العربية كلها وأسمح لنفسى أن أعبر عنها، لن ننسى مواقف هذه الساعات أن الأمة العربية لم تنس أصدقاءها هذه الساعات الذين يقفون معها ولن ننسى أعداء هذه الساعات الذين يقفون مع عدونا ” ربنا كن لن عونا وهدى.. ربنا وبارك لنا فى شعبنا وأمتنا ربنا انك وعدت ووعدك الحق ” أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ” والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



#خطاب #النصر #السادات #يتحدث #عن #درع #الوطن #وسيفه #بعد #نصر #أكتوبر #الذكرى #الصحة الإنجابية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى